نيويورك ـ سبأنت
شارك وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور أحمد عوض بن مبارك، اليوم، في الاجتماع الافتراضي رفيع المستوى الذي عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بعنوان “اليمن: الاستجابة للأزمات ضمن أكبر أزمة إنسانية في العالم” الذي نظمته كل من سويسرا والسويد والاتحاد الأوروبي بهدف بحث مستويات التدخل المتعددة لمواجهة الازمة الإنسانية في اليمن وحشد المزيد من التمويل لتغطية الفجوة في خطة الاستجابة الإنسانية.
وفي الاجتماع الذي حضره كل من مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الازمات جانيز لينارتشتك، ونائب رئيس المجلس الاتحادي ووزير الخارجية السويسري اجناسيو كاسيس، ووزيرة خارجية السويد آن ليندي، ووزير التنمية الدولية والشؤون الإنسانية للسويد بير أولسن، ووكيل الامين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، القى وزير الخارجية بيان الجمهورية اليمنية جاء فيه :
في البدء، أتوجه بالشكر لكل من السويد وسويسرا والاتحاد الأوروبي على تنظيم هذه الفعالية الهامة والتي نأمل أن تسهم مخرجاتها في إنهاء معاناة الشعب اليمني أو على الأقل التخفيف منها.
على مر التاريخ، لم يواجه اليمن واقعاً مشابهاً لما تشهده البلاد اليوم من أزمات متعددة ومتداخلة في ابعادها وأسبابها وآثارها، بشكل يفاقم من أثرها المدمّر على حياة المواطن اليمني والاقتصاد الوطني، لاسيما في ظل استمرار الحرب التي تشنها الميليشيات الحوثية على اليمنيين.
وبالرغم من الدعم السخي الذي يقدمه المجتمع الدولي، بما في ذلك من خلال خطة الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة، فإن الأزمة الإنسانية التي يشهدها اليمن هي الأكبر والأكثر إلحاحًا في العالم.
وتعمل الحكومة اليمنية، من مبدأ مسؤوليتها تجاه أبناء الشعب اليمني في كافة مناطق الجمهورية، على تيسير عمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. وأجدها فرصة لإعادة التأكيد على التزام الحكومة اليمنية بالوصول الآمن ودون أي إعاقة للمساعدات الإغاثية والعاملين الإنسانيين إلى اليمن والعمل معهم لمعالجة أي تحديات يواجهونها في هذا الصدد.
كما تواصل الحكومة اليمنية جهودها لتقديم الخدمات لكافة أبناء الشعب اليمني دون تمييز رغمًا عن شحة الموارد ووفرة التحديات التي تخلقها الميليشيات الحوثية سواء باختلاقها للأزمات أو من خلال هجماتها الوحشية على المدن.
فعلى سبيل المثال، تمثل محافظة مأرب المصدر الرئيس للغاز المنزلي في اليمن، وبالرغم من استمرار الهجوم الوحشي الذي تشنه الميليشيات الحوثية على مأرب والذي يفاقم بدوره من مستوى المعاناة الإنسانية، إلا أن ذلك لم ولن يثني الحكومة عن القيام بواجبها وضمان وصول الغاز إلى كل المنازل اليمنية بما في ذلك في العاصمة المختطفة صنعاء.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل الميليشيات الحوثية اختلاق الأزمات واستغلال المعاناة الإنسانية كورقة لابتزاز المجتمع الدولي، ومثال على ذلك استخدامها لأكذوبة الحصار المفروض على ميناء الحديدة، حيث وكما يعلم أعضاء المجتمع الدولي، وكما هو مثبت في تقارير آلية الأمم المتحدة للرقابة والتفتيش في اليمن (UNVIM)، فإن المواد الإغاثية والسلع التجارية تتدفق بسلاسة عبر ميناء الحديدة بالتحديد وباقي الموانئ اليمنية، وأن الإجراءات المتبعة من قبل الحكومة، أسوة ببقية الموانئ اليمنية، مقتصرة على واردات الوقود الذي تتخذها الميليشيات الحوثية سبيل لإثراء قادتها ولتمويل عملياتها العسكرية ضد أبناء الشعب اليمني. وقد كان المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة قد قدم خطة لتجاوز هذه القضية والتزمت بها الحكومة إلا أن الحوثيين رفضوا الالتزام بها وواصلوا ابتزاز اليمنيين.
في الوقت الذي يحتاج فيه اليمنيون للمساعدات الطارئة نتيجة النزوح والفقر وانعدام الأمن الغذائي، فإن أكبر العوامل التي تدفع اليمن اليوم نحو خطر المجاعة هو الانخفاض الهائل في القدرة الشرائية للمواطنين. حيث يعاني الاقتصاد اليمني من أزمة حادة، وانخفض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تفوق الـ 50% منذ العام 2015، وتراجعت قيمة الريال اليمني بنسبة كبيرة، وتجاوزت معدلات التضخم في أسعار السلع والخدمات الـ 50%، وتسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي المصاحب لجائحة كوفيد-19 في انخفاض حاد في التحويلات المالية من اليمنيين العاملين في الخارج، والتي كانت تمثل أحد أكبر مصادر العملات الأجنبية لليمن وشريان حياة لملايين الأسر.
بالإضافة الى ذلك، يعتمد حوالي ربع السكان، بمن فيهم الكثير من الأطباء والمعلمين وموظفي القطاعات الخدمية الحيوية، على رواتبهم من وظائف القطاع العام، والتي تواصل الميليشيات الحوثية عرقلة الإجراءات المطروحة لمعالجة أوضاعهم وانتظام صرف الرواتب، من خلال استمرارها في سرقة إيرادات ميناء الحديدة، بما في ذلك أكثر من 60 مليار ريال يمني كان قد تم توريدها إلى حساب خاص في البنك المركزي في الحديدة بموجب الاتفاق الذي أشرف عليه المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة.
اسمحوا لي بعد هذه الصورة المعتمة عن الوضع الإنساني في اليمن أن أشارك معكم رأي الحكومة اليمنية حول السبيل الأمثل لتخفيف المعاناة الإنسانية من خلال النقاط العملية التالية:
أولًا، على المجتمع الدولي الاستمرار في دعم جهود السلام، وإدانة استمرار هجمات الميليشيات الحوثية على المدن والمنشئات المدنية ومخيمات النازحين، والضغط عليها لقبول الوقف الفوري لإطلاق النار على مستوى البلاد، لأن ذلك يمثل الخطوة الأولى لوقف تدهور الحالة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون. والأخذ في الاعتبار أن استمرار الهجوم الحوثي على مأرب التي تمثل ملجئً آمنًا لملايين النازحين قد يدفع أبناء الشعب اليمني الهارب من البطش الحوثي إلى اللجوء خارج الحدود اليمنية بحثًا عن الأمان.
ثانيًا، ممارسة أقصى مستويات الضغط على الميليشيات الحوثية لوقف تدخلها في عمل المنظمات الإنسانية، بما في ذلك التوقف عن سرقة المساعدات الإنسانية، والكف عن فرض الجبايات والضرائب على مستوردي المواد الغذائية، ووقف نهبها لإيرادات ميناء الحديدة لكي تتمكن الحكومة من دفع مرتبات موظفي القطاع العام.
ثالثًا، تقديم المزيد من التمويل للعمليات الإنسانية في اليمن، بما في ذلك من خلال الإعلان السخي عن المزيد من التعهدات لخطة الاستجابة الإنسانية، وكذلك تقديم الدعم الثنائي مباشرة بالتنسيق مع الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى تقييم العمل الإنساني وأثر توزيع المساعدات، آخذين بعين الاعتبار التغير الديموغرافي الذي جرا خلال سنوات الحرب، حيث انخفضت نسبة أبناء الشعب اليمني القابع تحت سيطرة الحوثيين إلى أقل من 46%.
رابعًا، إشراك الجانب الحكومي في عملية التخطيط وتحديد الاحتياجات وتقييم التدخلات، والتنسيق المباشر مع معها كشريك حقيقي لمعالجة الأزمة الإنسانية.
خامسًا، مراجعة الاحصائيات الخاصة بالنازحين بالاعتماد والتنسيق مع الجهات الفاعلة على الأرض ممثلة بالوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، لضمان عدم حرمان النازحين الفعليين من المساعدات، حيث يتواجد في مناطق الحكومة الشرعية أكثر من ٢.٨ مليون نازح يحتاجون الى الاغاثة.
سادسًا، المساهمة في تقديم الدعم العاجل لجهود الحكومة ودعم إجراءاتها وخططها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتفادي التبعات الخطيرة لاتساع الكارثة الإنسانية، بما في ذلك وضع آلية لمصارفة الأموال المقدمة من المانحين للعمل الاغاثي في اليمن عبر البنك المركزي اليمني، مما سيساعد على دعم قيمة العملة الوطنية والاستقرار الاقتصادي.
سابعًا، دمج الأولويات والاحتياجات الإنمائية في جميع التدخلات الإنسانية للمساعدة في تحقيق التعافي المبكر عبر التركيز على الانشطة الاقتصادية المجتمعية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والتحول من الأعمال الإغاثية إلى دعم مجالات التنمية والقطاعات الإنتاجية والاقتصادية.
وختامًا، اسمحوا لي أن أعيد التأكيد على أن كافة الجهود الإغاثية التي تبذلها المنظمات الإنسانية لن تتمكن من إنهاء معاناة اليمنيين مالم تتوقف هذه الحرب. وبالتالي، أكرر دعوة الحكومة اليمنية للمجتمع الدولي لممارسة المزيد من الضغط على الميليشيات الحوثية وداعميها في طهران للتخلي عن خيار الحرب، والانخراط في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.