اليمن وفرصة تحقيق السلام
بقلم : د. أحمد عوض بن مبارك – وزير الخارجية وشؤون المغتربين
تشكلت حكومة الكفاءات السياسية الحالية في اليمن في ديسمبر من العام الماضي بمشاركة الأحزاب والتيارات الفاعلة على الساحة اليمنية، ومنذ لحظة تشكيلها وهي تدعو مليشيا الحوثي لوقف الحرب والسير نحو المصالحة الوطنية وتؤكد أن المجال مفتوح للحوثيين للمشاركة في السلطة طالما التزمت بالدستور ومبادئ المواطنة المتساوية والتخلي عن العنف وادعاء الحق الإلهي في الحكم.
دعت الحكومة لحل سلمي شامل حتى عند استهدافها بصواريخ باليستية موجهة من قبل مليشيا الحوثي لحظة وصولها الى مطار عدن الدولي في محاولة لارتكاب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة لوزراء سياسيين وفي مطار مدني يرتاده المسافرون من كافة أنحاء اليمن، وللأسف سقط العشرات من المدنيين الأبرياء بين قتيل وجريح في الهجوم الإرهابي الذي شنته المليشيا وكان من بين الضحايا السيدة ياسمين العواضي وكيلة وزارة الاشغال العامة.
استمرت الحكومة وبدعم إقليمي ودولي في الدعوة لتحقيق السلام وأبدت مرونة كبيرة، ومن خلال إصرارها على تحقيق السلام تهدف الحكومة لحماية جميع اليمنيين بما في ذلك الحوثيين مع أن انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية وسيطرتهم على عدد من المحافظات بقوة السلاح كان سببا في قيام الحرب الاهلية والتي أنتجت أسوء كارثة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
مع الأسف فسر الحوثيون الرسائل الايجابية من الحكومة اليمنية وسعيها لإحلال السلام وحرص المجتمع الدولي للمساعدة في استعادة الامن والاستقرار بشكل خاطئ، وكلما أبدت الحكومة تمسكها بالسلام كلما ازداد الحوثيون تعنتا وصلفا وتصميما على مواصلة الحرب والتصعيد العسكري وتجنيد المزيد من المغرر بهم و الأطفال والدفع بهم الى جبهات القتال وتعريضهم للإصابة أو القتل.
لم يخطئ الحوثيون في قراءة الرسائل السياسية فحسب بل أيضا في قراءة التاريخ والمتغيرات في اليمن، فصعّدوا عسكريا في محافظة مأرب وفق حسابات خاطئة ودون ادراك بأن هذه المحافظة المثقلة بإرث تاريخي عظيم عصية عليهم ولن يسمح أبنائها بوصول المليشيا لعرش ملكتهم بلقيس، لم يستوعب الحوثيون أن مأرب بسكانها الثلاثمائة وخمسون الف نسمة في 2015 أصبحت أكثر منعة بعد أن تجاوز عدد سكانها اليوم الأربعة ملايين نسمة نتيجة للنزوح الكثيف من مناطق سيطرة الحوثيين هربا من الظلم والاضطهاد والانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي.
لكن للهجوم الحوثي على مأرب قصة أخرى يجب أن تروى، فمارب لا تمتلك دفاعات جوية تحميها من الصواريخ، ومنذ ستة أشهر يُقصف سكانها والنازحين اليها وتدمر احيائها ومرافقها الخدمية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا. تتعامل مليشيا الحوثي بهمجية وبربرية نتيجة لعجزها التام في جبهات القتال، وتسببت أعمالهم الإرهابية بقتل وجرح المئات من المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن بدم بارد.
في الحقيقة سيؤدي رفض الحوثيين للسلام وعرقلتها للجهود التي تبذل لتحقيق المصالحة الوطنية الى إطالة أمد الحرب وتفاقم المعاناة الإنسانية. فعدم قبولهم مقترحات ومبادرات السلام أنتج متغيرات دراماتيكية في مناطق سيطرتهم وقامت انتفاضات قبلية جديدة في محافظتي البيضاء والجوف.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتفض فيها القبائل في وجه الحوثيين فقد حدث ذلك مرات عديدة في مناطق كثيرة، ولكن الفرق هذه المرة هو في عجز الحوثيين عن قمعها نتيجة للسخط على رفض الحوثيين لفرص إحلال السلام في اليمن.
ولذلك وحتى يكون هناك فرصة حقيقية لإحلال السلام، فالموقف والأفعال السلبية لمليشيا الحوثي تجاه السلام يجب أن تتغير، ولكي يحدث ذلك فهذا يتطلب مقاربة أوروبية جديدة للمساعدة في حل الازمة اليمنية. مقاربة تقوم على دعم الحكومة اليمنية سياسيا واقتصاديا باعتبارها تمثل جميع اليمنيين، وخلق شراكة كاملة معها لتحقيق السلام، وممارسة الضغوط على مليشيا الحوثي لتغيير سلوكها والقبول بخطة السلام لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وتحقيق المصالحة الوطنية.
النص الأصلي للمقال: https://euobserver.com/opinion/152435